القيادة في المستوى الأوسط
د. عبد الرحمن الجاموس
دكتوراه في استراتيجيات الأعمال
اذا أخذنا عينة من اليافعين وسألناهم عن مستقبلهم المهني الذي يفضلون، فكم من اليافعين من يقول: عندما أكبر اريد ان أصبح نائب رئيس دولة، نائب رئيس قسم، نائب رئيس وحدة، ...؟ غالباً لا أحد!، فإذا كان لدى يافع او طفل تطلعات سياسية فهو يريد أن يكون الرئيس! وإذا كان لدى طفلة ميول تجارية فهي تريد أن تكون صاحبة شركة أو رئيسة مجلس إدارة!.
هذه من اساطير القيادة التي يؤمن بها عموم الناس تدعى "أسطورة القدرات الكامنة"، ويقول معتنقوها: "لا يمكنني الوصول إلي قدراتي الكامنة إذا لم أكن في الأعلى".
للأسف يطمح القليل من الناس الى المناصب الوسطى، حيث لم نسمع يوماً ان شخصاً يقول عندما أكبر أريد أن أشق طريقي إلى الإدارة الوسطى، ومع ذلك تشير اغلب احصاءات الواقع المُعاش الى أن معظم الناس لن يرتقوا أبدًا للقيادة العليا في دولة أو مؤسسة وسيمضون حياتهم المهنية في مكان ما في المنتصف.
ولهذا يعتقد الكاتب ماكسويل أن الناس يجب أن يكافحوا للوصول إلى قمة قدراتهم وليس قمة المؤسسة، وعلى كل منا العمل للوصول إلى قدراتنا الكامنة، وليس بالضرورة قمة الهرم لانه أحيانا يكون لك أعظم التأثير من مقام غير المقام الأول ويسرد مثالاً على ذلك قصة حياة نائب الرئيس ديك تشيني، حيث تمتع (بعيون الامريكيين) بحياة مهنية ناجحة في مجال السياسة، كان رئيساً لموظفي البيت الأبيض في فترة الرئيس جيرالد فورد، ونائباً في الكونجرس لست مرات عن ولاية وايومنج، ووزيراً للدفاع في عهد الرئيس بوش الأب، ونائباً للرئيس بوش الابن، يمتلك كل المقومات التي يحتاجها من يرغب في الترشح لرئاسة الولايات المتحدة، ومع ذلك لم يترشح، لانه يدرك أن المنصب الأعلى ليس هو الأفضل.
وصفت مجلة التايم تشيني بهذه الطريقة:
عندما كان ريتشارد بروس تشيني طالباً في المدرسة الثانوية في ولاية وايومنج كان لاعب كرة قدم ناجاً، ورئيس اتحاد الطلاب، وطالباً فوق المتوسط، لكنه لم يكن نجماً! انه غير بارز، يساند صديقا أكثر منه شهرة فقط ويساهم في تهدئة الأمور، هذا هو الدور الذي لعبه ديك تشيني طوال حياته، نبع نجاحه (بعيون الامريكيين) من مهارته المتفردة في أن يكون الناصح والمخلص والفعّال لشخصية قيادية أعلى، حاول مرة واحدة أن يكون النجم في عام 1996 عندما ترشح للرئاسة لكن فكرة أن يلعب دور البطولة تتطلب جينات سياسية وبعدها فكر بان يعتزل ويتفرغ للصيد لكن كان لبوش الابن خطة أخرى أعادت تشيني ليلعب الدور الذي طالما برع فيه، وقالت لين تشيني لمجلة التايم إن زوجها "لم يفكر أبدًا بهذه الوظيفة لكن لو تتبعت حياته المهنية بأكملها فستجد أنها استعداد لهذا"، وقد استغل تشيني أقصى قدراته الكامنة في وظيفة نائب الرئيس وهو المنصب الذي قد يختاره القليلون ليكون طموحاً لهم.