إعادة التموضع في سلاسل التوريد العالمية
د. عبد الرحمن الجاموس
دكتوراه في إستراتيجيات الأعمال
أظهرت آخر مسوحات أنشطة منطقة اليورو هبوط مؤشر مديري المشتريات، حيث هبط إلى مستوى متدن عند 29.7 في مارس، ويمثل أكبر انخفاض منذ بدء المسح في يوليو 1998، ويفصل مستوى 50 نقطة بين النمو والانكماش، بمعنى تحت 50 نقطة يعني ركود وخسائر، وفوق 50 نقطة يعني نمو وازدهار.
مما يعني ان انتكاسات كبيرة ستلاحق سلاسل التوريد، وسلاسل التوريد Supply Chain مصطلح معاصر ازدادت اهميته مؤخراً، وهي شبكة من التجار، والموزعين، والناقلين، ومرافق التخزين، والموردين الذين يشاركون في إنتاج، وتجميع، وتسليم، وبيع المنتج، وتتكون إدارة سلاسل التوريد عادةً من عدة شركات تنسق فيما بينها وتشرف على ثلاثة تدفقات: تدفق المنتجات ويشمل نقل البضائع من المورّد إلى المستهلك، وتدفق المعلومات ويتضمن معلومات الطلب وحالة التسليم. فضلاً عن التدفق المالي ويشمل جداول الدفع، وشروط الائتمان، والترتيبات الإضافية.
والحال هذه مع انتشار فيروس كورونا وما خلفه من مصائب دفعت الدول لإعلان الطوارئ سبب تقلبات حادة في سلاسل التوريد العالمية، حيث توقفت كثير من القطاعات الصناعية والتجارية، فضلاً عن الصدمة الكبيرة في معدلات الطلب، ووفقاً لأخر التقارير فان أغلب المصانع العالمية تعاني من أسوأ مستويات الأداء في تاريخها بعد ان أجبر كورونا العديد منها على الإغلاق مع توقف سلاسل التوريد.
ووفقا لبلومبيرغ، تشير بيانات أسيا وأوروبا والولايات المتحدة إلى أن التصنيع في بعض الدول تراجع إلى أدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية الماضية، وهذا ما دفع وزراء التجارة والاستثمار لدى مجموعة العشرين على التعهد باتخاذ إجراءات فورية لتسهيل التجارة وتشجيع الإنتاج للمعدات والأدوية وتقليل تعطيل سلاسل الإمداد.
كما تظهر التقارير الصادرة عن معهد إدارة التوريد تراجع الطلبيات في المصانع الأميركية إلى أدنى مستوى في 11 عاماً، بينما انكمش التصنيع في كبريات اقتصادات منطقة اليورو كألمانيا وفرنسا وإيطاليا،وجاء متوسط الطلبيات الجديدة عند أدنى مستوى في 11 عاماً، فضلاً عن تسجيل بريطانيا تراجعاً كبيراً في معدلات الإنتاج والوظائف.
وفي أمريكا، سقطت أول قطعة دومينو بإفلاس أيقونة النفط الصخري شركة Whiting Petroleum وارتفعت طلبات اعانة البطالة الامريكية بشكل هائل الى مستوى لم يحدث ابداً منذ بدء قياس البيانات الامريكية بعد ان كانت قبل اسبوعين اقل من 300 الف لترتفع قبل اسبوع الى 3.2 مليون طلب لتصل الان هذا الاسبوع الى 6.6 مليون طلب إعانة.
وإذا ما استمر الوضع المأساوي ستعاني بكل تأكيد سلاسل إمداد الغذاء، حيث تقول منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إنها تتوقع حدوث خلل في إمدادات الغذاء في أبريل ومايو، وبالتالي إن الإنتاج المحلي في امريكا وغيرها من دول ليس هو المشكلة الوحيدة، بل مشاكل التوريد المرتبطة بالغذاء، فمثلاً تعتمد الولايات المتحدة على التوريدات الأجنبية بما يقارب 20% من طعامها، بما في ذلك 80% من المأكولات البحرية، ونصفها يأتي من آسيا، وفقا لحسابات Mesh Intelligence.
ختاماً، سيدفع كورونا الدول والشركات للبحث مراكز إنتاج وتصنيع، وتجميع، وتوزيع جديدة، وستعاني مراكز التصنيع القديمة في الصين واسيا بشكل كبير نتيجة الاغلاقات للمجمعات الصناعية ولكثير من المدن للحد من تفشي كورونا مما يعني ان دولاً جديدة ستتموضع لتجد لها موطأ قدم في التجارة العالمية، وربما ستكون هناك عودة للشركات المهاجرة الى دولها الأم في امريكا واوربا وخصوصاً الشركات الدوائية والطبية.