التخطيط الإستراتيجي في منظمات الأعمال

التخطيط الإستراتيجي في منظمات الأعمال

الدكتور عبد الرحمن الجاموس 

دكتوراه في إستراتيجيات الأعمال

تمثلت النظرة الكلاسيكية لعلم الإدارة على انه علم غير مكتمل، لاسيما وأن الإدارة تعمل في ظل العديد من المتغيرات التي يصعب التحكّم والقياس الكمي لها، فالظروف التي تحيط بمنظمات اليوم تتطلب إيجاد معايير وضع وضبط الإستراتيجيات نحو الاستمرار والاستقرار، الأمر الذي أدى إلى تطورات غير مسبوقة في المجالات الإدارية والتكنولوجية كافة، وكان أبرزها الديناميكية التي عرفها المجال الإداري لفهم آليات عمله وتطوره.

لقد أصبح عالم الألفية الثالثة عالماً ذو طبيعة زئبقية، وباتت سرعة التغيرات فيه تتطلب منظمات ومديرين من نوعية خاصة، قادرين على توفير نظرة مستقبلية لمساعدة المنظمة على تتبع التغيرات في البيئة الداخلية والخارجية، وليس من الغرابة أن تكون الإستراتيجية الملاذ الآمن لمواجهة هذه المتغيرات بفعّالية.

ساهمت سياسات الأعمال المتبعة منذ 1960 في تطوّر مفهوم الأعمال بشكل متزامن باستخدام مفهوم الإستراتيجية، حيث أن جذور الإستراتيجية يمكن تتبعها في العديد من الأدبيات الإدارية والبحثية في مجال الاقتصاديات الصناعية، المالية، العسكرية، والتكتيكات،..(Anita M. Paley, 2009, 5). 

اختلفت الآراء حول مضمون الإستراتيجية وفق ما ينظر لها في الحقل التطبيقي أو المعرفي من جهة، ومعرفة بداية نشأتها من جهة أخرى، ويرجع ذلك إلى اختلاف وجهات نظر الباحثين حول ما تعنيه لهم، وكيف يصورونها باعتبارها تستحق الدراسة لتشكل حقلاً معرفياً مستقبلاً بعد أن كانت مجرد فكرة عابرة. 

وللإلمام بمعنى الإستراتيجية لابد من الإشارة إلى تطورها التاريخي، حيث يعود تاريخ نشوء الإستراتيجية إلى ما قبل ظهورها كمفهوم متفق عليه من خلال المنافسة الطبيعية التي بدأت منذ الخليقة، إذ أشار عالم الأحياء الروسي (Gause,1934) على أنها التكيّف مع البيئة للبقاء، إذ أن معظم الكائنات تكافح لأجل ذلك. فالكائنات الأكثر قدرة على التكيّف هي الأكثر قدرة على الاستمرار، لذلك تسعى إلى البقاء من خلال التكيّف مع بيئتها، ويدعى هذا التكيّف بالتكيّف العضوي، وبالتالي فإن المنافسة الطبيعية يبن الكائنات الحية هي الجذر التاريخي لنشوء الإستراتيجية كفكرة. 

وفق المنطلق أعلاه ومن أجل المحافظة على عنصر الاستمرارية في ظل الصراع نشأت التطبيقات العملية للإستراتيجية في المجالات العسكرية، حيث تبين أن أولى الإشارات إلى مفهومها واستخداماتها كان على يد القائد مارتون عندما انتصر على الهجوم الفارسي على مدينتي ارتيري واثينا اليونانيتين عام 490 ق.م فكان يختار الطرق غير المألوفة في حركاته لتحقيق انتصارات حاسمة. وقد عرّف العرب الإستراتيجية بأنها الإغارة وهي نوع من الهجوم غير المباشر إبان حروب الحلفاء في الحرب العالمية الأولى. 

كما نوقشت الإستراتيجية من قبل كتاب كثيرين أمثال Shakespeare, Montesquieu. وكذلك فان الصراع سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات قد يكون بسبب الندرة في الموارد وقلة الإشباع للحاجة الأساسية، التي تدفع بدورها التجمعات أو التحالفات Alliances لأجل التعاون أو الاستحواذ. 

وجاء علم الاقتصاد لحل تلك المشكلات والتخفيف من وطأتها، فلو كانت الخدمات متوفرة بدرجة كبيرة وبسهولة لانتفت الحاجة لعلم الاقتصاد، فالحاجة للاستثمارات تنشأ بسب المنافسة واختيار أفضل وسيلة تحقق ذلك تتمثل هنا بما يسمى بالإستراتيجيات الإدارية Managerial Strategies. 

كما شهد مجال البحث في الجوانب التنظيمية بما يتصل بالإستراتيجية تقدماً ملحوظاً في فترة الخمسينات إذ نظر فريق من الباحثين في Harvard University إلى الإستراتيجية كونها فن الموقف وتصور تخيلي لتكامل مجموعة من القرارات المعقدة والمتنوعة (الفياض، 2006، 107).

يمكن التعرف على نشأة الإستراتيجية من خلال الاطلاع على ما قاله (Mintzberg,1994) وهو رائد الإستراتيجيات والتخطيط الإستراتيجي في منظمات الأعمال في كتابه (The Rise and Fall of Strategic Planning) حيث يرى أن الإستراتيجية تعود إلى الكتاب الصيني المعنون (The Art of War) منذ اكثر من 2400 سنة.

ومنذ عقود عدة وفي 1920 طوّرت Harvard Business School أول نموذج لأعمال التخطيط الإستراتيجي، وفي الفترة بين 1950 - 1960 اصبحت الإستراتيجية والتخطيط الإستراتيجي معياراً حاكماً في عالم الأعمال (Sharon Beth DeVivo, 2008, 8).